تم نشر القصة على موقع الجمهورية هنا
سيارة الحسبة تجوبُ مدينة بزاعة قبيل صلاة الجمعة، وهو اليوم الذي تكرههُ نساء المدينة اللواتي يقبع رجالهن في سجن المحكمة الإسلامية في مدينة الباب. نساء المدينة اللواتي تغيرنَ من التباهي بسوارِ الذهب وعياره ووزنه، إلى التباهي بأن قضية الزوج عند المحقق الرؤوف بالنسبة لغيره من المحققين! والتباهي أيضاً بعدد ساعات تعليق أزواجهن على «البلنكو»1!
المدينةُ الفكاهية التي قيل عنها في سجون التنظيم: «أخرج عشرة مساجين، واترك لنا بزاعيِّاً واحداً في المهجع، حتى يقلب المهجع من كآبه وحزن إلى ضحك وفرح!!».
سيارةُ الحسبة تُذيع لأهالي المدينة أن هناك تطبيقاً لحكم القصاص على ثلاثة من أعداء الله ورسوله، يأمرُ الشيخُ الأهالي عبر مكبرات الصوت بالاجتماع في الساحة بعد صلاة الجمعة. وعلى الفور، ترتدي كل امرأةٍ غطاء الصلاة وتصلّي لله بأن لا يكون زوجها هو المقصود بعدو الله ورسوله : «يا رب.. والله أبو عباس مو عدو إلك ولا لرسولك يا رب لا تموتوا يا رب». ذهبَ من تبقى من رجال المدينة إلى الجامع الكبير بخطوات بطيئة، وقد مات فيهم حبُ الإطلاع ومعرفة من هم أعداء الله ورسوله، ولا يريدون أن يعرفوا «عدو الله» لهذه الجمعة. يدعون في سرّهم: «يا رب نرجوك ليس من أهلنا ولا أولادنا يا رب».
الخطبةُ عن لزوم تجديد البيعة للمرة السابعة بعد إعلان الخلافة في مشارق الأرض ومغاربها، فبعدَ كل صلاة جمعة، وبعد كل درسٍ ديني، يرفعُ المصلّون يمناهُم لبيعة أمير المؤمنين ابراهيم بن عوّاد البدري حفظه الله ورعاه، والسرُّ يكمن في الأجر المُرتجى الذي سيحصل عليه عنصر التنظيم الذي يأخذ عدد بيعاتٍ أكبر من رعيّة الأمير!.
الكلُّ قد حفظوا الجمل المتوالية: «نبايعُ أميرَ المؤمنين ابراهيم بن عوّاد البدري حفظه الله في المنشط والمكره وفي العسر واليسر، ما لم يظهر كفراً بوّاحاً»، يردد أحد المصليّن ساخراً: «أمة عربية واحدة.. ذات رسالة خالدة».
تنتهي الصلاة وتُؤخذُ البيعة من أعناق المصليّن، ويتراكض الأطفال نحو الساحة لمشاهدة اللعبة المعتادة، فلا «سبونج بوب» ولا «دورا»، ولا كهرباء ولا مدارس، وحتى الأقنية الرومانية التي كان يلعب فيها الأطفال منعَ التنظيم الاقترابَ منها، وسمحَ لسماسرة الآثار بالتنقيب فيها. يُهرولُ الأطفال مُتسائلينَ عن سفّاحِ اليوم، هل هو السمين أم القصير، بالسيف أم بالرصاص، كم واحدٌ هم أعداء الله اليوم؟
يجتمعُ الأهالي، الرصاصُ يفرق الحشود، تتقدم سيارتان فقط، سيارة من نوع «كيا ريو»، وسيارة مغلقة من نوع «فان». أبو عبد الله يرفضُ الذهاب ويبقى في المنزل، لا يريد أن يرى هذه المناظر، فابنته الكبيرة والمتزوجة حديثاً قد أجهضت في شهرها الثالث بعد أن بشرّتها القابلة القانونية بصبي بكر يشبه والده، نزلت من عيادة القابلة مبتهجة ورأت عند دوار السنتر في مدينة الباب شاباً رأسه بين رجليه، لتستفرغ على إثرها وتُسقِط الجنين الذي كان يشبه والده. أم عبد الله أبت إلا الذهاب، ارتدت العباءة وتعلّقت بها أخوات عبد الله الصغيرات، ودَعَت الله بعد أن أغلقت الباب على أبو عبد الله: «يا رب مو عبد الله.. يا رب».
إحدى النساء تقول لأختها في الساحة: «يا رب مو جوزي .. يا رب إذا جوزي بدك تاخد امانتك منو .. فبرا بزاعة، بدي إياه يضل زلمة ورجال بقلبي ما بدّي شوف راسه بالأرض».
يضعُ أحد عناصر التنظيم جذعَ شجرة زيتون في منتصف الساحة، ويرفعُ السمين المقنّع السيف في وجه الحضور، عرضٌ مسرحي حقيقي وواقعي. ينزلُ ثلاثة رجالٍ معصوبي الأعين، ومكبلي الأيدي، من السيارة المغلقة، وعلى طرفيّ الثلاثة عنصران من التنظيم يسوقونهم إلى حتفهم. تتطاول رقاب الحضور، ويدعون الله سراً: «يا رب ليس ابني ولا أبي يا رب».
ينزلُ الشيخ الشرعي من السيارة الصغيرة «الكيا» وبيده ورقة الأحكام، وهو مقنّعٌ أيضاً، فكلُّ عناصر التنظيم يكونون مقنّعين أثناء تطبيق الحكم!
لحظةُ سكوتٍ مرّت أثناء تجريب مكبر الصوت الآلي من قبل الشيخ الشرعي:«بسم الله .. والحمد لله والصلاة والسلام على من بُعث بالسيف رحمة للعالمين:
أما عدو الله الأول (ي س) فقد وجد الأخوة في جهازه صور لمن يدّعون أنه المسيح والعياذ بالله، وصور لحسن نصر اللات وصور للحسين والعياذ بالله، وقد أقرَّ في جلسات التحقيق أنه قد تشيَّع في لبنان أثناء فترة إقامته هناك، وحكم الله فيه القتل لأنه مرتد.. تكبير».
يكبّرُ الأطفال وعناصر التنظيم بصوت عالٍ، وأما من تبقى فيكبرون بصوت منخفض.
يواصل الشرعي: «وأما الثاني (ش س) فقد حارب الدولة أثناء قتالها صحوات الردة في معركة تحرير مدينة الباب، وحكمه القتل لأنه مرتد».
يكبّرُ عناصر التنظيم والأطفال بصوتٍ مرتفع، وأما البقيّة فيكبّرون بصوت منخفض.
«أما الثالث، عبد الله الحاج كامل، وهو من أبناء بزاعة، فتهمتهُ محاربة الدولة وشتم الذات الإلهية والعياذ بالله، وحكمه القتل».
انخفض صوت التكبير، أم عبد الله لم تعد تحملها قدماها، أخواتُ عبد الله يخبرن أمهن أن الشيخ قد قال اسم أخيهن عبد الله. تمسكُ نساء المدينة أم عبد الله وتقلن لها: «اصبري.. الله كريم.. بكرا الجيش الحر بياخد بثأر ابنك وثأر ولاد بزاعة». تحاولُ التقدّم نحو عبد الله، ولكن حشدَ الأهالي يحول بينها وبينه، تُحاولُ نساءُ المدينة الإمساك بها، يبدأُ عناصر التنظيم بجر ( ي س) ووضع رأسه على جذع الزيتون، يصرخ قائلاً: «شيخي.. برصاصة مو بالسيف دخيل الله»، لم يسمح له السيف إنهاءَ وصيته، فتدحرج رأسه في الساحة. «تكبير».. يكبّر الحضور!
يحاولُ (ش س) الهرب، ولكن يجرّه عناصر التنظيم نحو الجذع، يحاولُ تحريك رأسه يميناً وشمالاً، فيُخطئُ السيفُ في ضرب رقبته ويصيبُ رأسه، لم يمت فيعود السيف ليفصلَ رأسه المصابَ عن جسده، ويتدحرجُ الرأسُ في الساحة ويلحق برأس (ي س).
يتدافعُ الناس لمشاهدة عبد الله ذو القميص الأبيض الرمادي الطويل، وبدون أي انفعالٍ يُساق عبد الله كالورقة بيد عناصر التنظيم. عبد الله ابن الخمسة عشر عاماً، بدون أي مقاومة، يضربه السيف فيفصل رأسه عن جسده، ولكن بدون أن ينزفَ نقطة دمٍ واحدة. ماتَ عبد الله من الخوف قبل أن يموت بسيف الرجل المقنّع السمين.
على أمل العودة بجثة عبد الله، تتراكضُ الأم والشقيقات إلى رأس أخيهن، وهو الثاني الذي يموت في أقل من سنة واحدة، فمنذ شهرين استشهد شقيقهن الأكبر في معارك كسب ضد قوات نظام الأسد والميليشيات الطائفية الداعمة لها.
تهرولُ أم عبد الله نحو الشيخِ الذي أشرفَ على عمليات الذبح، وقد تأكد من موت أعداء الله الثلاثة. تتقدّم إليه من بين العناصر وتطلب منه الجثة، جثة ابنها. يواصلُ الشيخ إلقاء أوامره على العناصر:
(ي س) يتم تعليقه عند مدخل مدينة تادف.
(ش س) عند مدخل مدينة الباب.
عبد الله في مدينة مسكنة.
«أريدُ جثة ابني عبد الله، ابني هذا، يا شيخ داخل على الله وعليك، لا يوجد عندك شيء لله؟».
«يا أختي.. الله منّ على ابنك بالتوبة ولا يجوز تسليم جثته، فالمرتد لا يدفن في مقابر المسلمين، هذه فتوى شيخ الإسلام ابن تيمية».
يركبُ سيارته وينفضُ حشد أهالي المدينة وينتهي العرض بإطلاق رصاص كثيفٍ في الهواء، يرافقهُ تكبيرٌ من قِبل عناصر التنظيم بعد وضع الجثث في السيارة المغلقة، والدوران بالسيارة والضحايا ضمن دائرة الساحة.
لم يبقَ أحدٌ في الساحة.. سوا دم حارٌ للضحايا.
تركضُ النساء نحو أم عبد الله وتسألنها: «ماذا قال لك الشيخ؟».
تجيبُ أم عبد الله: «ابن تيمية قلون اعملوا هيك».
نساءُ المدينة: «من يكون ابن تيمية!؟».