قصص

حنّان، أين أنت؟

تم نشر القصة على موقع الجمهورية هنا أطوف في مياه الفرات، يحملني الموج رغم أنني لا أجيد السباحة. أشعر بسكينةٍ مع كلّ شهيق، وكأنني ولدتُ من جديد. حنّان، «الشبّيح»، يبتعد عني، يخبرني أنه سيذهب إلى هناك، حيث أشجار النخيل. أرى أشجار النخيل بعيدةً، يحجبها عني رذاذ المياه. أشعر بالسكينة مرّة أخرى، ويبتعد حنّان باتجاه النخيل، فيما يحملني الموج باتجاه الجرف. أستيقظُ من النوم، أتلمّسُ حنّان إلى جانبي فلا أجده. «حااا!!»، وأخفضُ صوتي فالكلّ نيام. أتلمّسُ مكان حنّان الفارغ، ثم أمشي ببطء خشية الدعس على بطن سجين آخر. أمشي على رؤوس أصابعي التي تتلمّس مكاناً تستطيع الوقوف عليه بين بطون المساجين. بوصلتي باتجاه الحمّامات هي سعال مرضى السكري وكبار السّن، أتعقبُ خطواتي كارهاً إيقاظ أحدهم في زيارته المسموحة خارج عالم السجن، إلى عالم الأحلام. هناك الآن من يضمُّ ابنه الذي لم يره، وآخر، كشفيع السلو، ينام مع زوجته التي لم ينم معها سوى خمسة أيام قبل إلقاء القبض عليه. كلُّ في عالمه أَصِلُ الحمّامات، وأجدُ حنّان يقرأ القرآن على ضوء الحمّام، الذي بالكاد نرى منه أنفسنا، خاصةً ليلاً، لا يقرأ كلمات القرآن بل يخمّنها. – حنّان يا شريكي، طمّني عنك؟! – حلمت أنهم ذبحوني مو؟ وقعدت تدوّر علي. – لا والله لا، حلمت إنو عمّ نسبح. لكي أنسيه ما حدث، كونه من الأشخاص الذين يحللون كلّ كلمة تقال لهم في جلسات التحقيق، وكل رأي من آراء المساجين حول قضيته، طلبتُ منه أن يسمع مني سورة المائدة ويتأكد من حفظي لها قبل أن يشغّل أمير المهجع الإنارة، فقد انتهيتُ من حفظها بعد…

الخالة ثلجة: البدوية التي حدثتني عن العقم النفسي وعن موت ابراهيم!

تم نشر القصة على موقع درج هنا بعد مقتل ابني إبراهيم بتّ أتعثر حتى بالهواء، تهت عن خيمتنا أثناء رعي ما تبقى من الحلال، بت أمشي باتجاه والحلال باتجاه آخر، تهت والحلال (الغنم) هو من دلني إلى طريق العودة نحو الخيم. عام 2018، فقدت امرأة سورية بدوية ولدها الوحيد أثناء تمشيط الفصائل الممولة من إيران ريف محافظة الرقة الشرقي، بادية مدينة معدان.  ما زالت هي وزوجها وأقاربها من البدو يعملون في رعي الغنم وبيع الحليب والسمن العربي. هنا حكايتها التي تعكس بعضاً من سيرتها الذاتية وصوراً من حياة البدو والترحال بين مناطق سيطرة النظام السوري ومناطق سيطرة تنظيم الدولة.  كانت جدتي تحدثني عن العكة وعن الجبن، كانت تتوتر من ضجيج الأسواق. الكثير من صفاتها البدوية لم أكن أجد تفسيراً له، لذلك كانت رحلتي إلى خيم البدو في قرى مدينة جرابلس شرق مدينة حلب للبحث عن بعض الأجوبة عن حياة البدو، تعرفت بجولتي على امرأة خمسينية، سألتني على الفور: هل تعرف العقم النفسي!؟لم أفهم سؤالها بالضبط لكنني عرفت أنها تريد التحدث، وكنت أودّ أن أسمع. لم أقلق لعدم وجود رجل في الخيمة كون ما أعرفه عن حياة البدو أن للضيف مقامه، يوبخ الزوج زوجته إن لم تكرم الضيف، بخلاف بعض المجتمعات التي أزورها، حيث تتحاشى الأنثى استقبالك في حال لم يكن رجل ما في المنزل أو الخيمة.سألتني الخالة ثلجة عن عمري وأجبت. بحساب رياضي في رأسها تبين لها أنني أكبر من ابراهيم، ابنها.القصة، أنني لا أعرف بالضبط في أي عام ولدت ولا بأي محافظة بالضبط، هذا السؤال أعاق إجابتي للمجلس المحلي أثناء…

“سأنتظره ولو في بطن تراب هذا البلد اللعين”… سوريا بلد المفقودين الحزين

تم نشر القصة على موقع درج هنا في اليوم الأول لي في الجامعة، فقدت إلى والدي الذي كان يرافق كل واحد من إخوتي إلى الجامعة في يومه الأول ويبقى طول اليوم معه، لكنه لم يستطع الوفاء بنذره معي.  على هامش أحد معارض الرسم في مدينة أعزاز شمال حلب، لعدد من المواهب الشبابية، التقيت شابة سورية تدرس الهندسة المعلوماتية في جامعة حلب الحرة، والدها مفقود في سجون النظام السوري منذ عام 2014، تتحاشى ذكر اسمه وتغير الموضوع مع انكماش ملامح وجهها كلما سألوها عنه في المعرض الذي يسلط جزء من لوحاته الضوء على قضية المعتقلين، تتحاشى الحديث كما تتحاشى اللوحات الخاصة بالمعتقلين، لاحظت هذا السلوك عليها، قلت لها: “سيظل كبيراً في عينك حتى لو شبحوه كما في اللوحات”.  دار حديث متقطع ومتواصل بيننا، طلبت منها الحديث عن نفسها وعن العائلة لا عن الوالد في حال لم ترد ذلك.  في النص تحدثنا رهف عن حياة عائلة المعتقل وانعكاسات المأساة على أفرادها والعلاقات التي تربطهم، هذا ما سردته: كلما أشعر بالقلق، يتحول كل عضو في جسدي إلى أعضاء حارة جداً، ولو كنت في أشد درجات البرد، فلا تهدأ روحي إلا عندما أغلق على نفسي باب الغرفة وأشغل المروحة إلى أعلى درجة أو أستحم بماء بارد، عندها يهدأ قلبي من القلق. رافقتني هذه الحالة منذ يوم اعتقال والدي، في أيلول/ سبتمبر 2014. كان الطقس حاراً جداً يومها، في سيارة نقل صغيرة تم اعتقاله على حاجز تابع للنظام السوري في مدخل مدينة حلب… لا أريد تذكر هذه الحادثة لكن سأكمل لك، رجاني ترجي الركاب والسائق…

على جدار الجامع الكبير في مدينة الباب 2-1

تم نشر القصة على موقع الجمهورية هنا هذا النص هو تتمة نص أبو رسول النجار، ويتضمن شهادة ’أحمد الأسير‘، الذي رافق أبا رسول النجار وسجناء آخرين في عملية الهروب الشهيرة في شهر آذار عام 2015، من سجن المحكمة الاسلامية التابعة لداعش في مدينة الباب بريف حلب الشرقي. وقفَ أبو رسول النجار بعد صلاة الفجر يخطبُ بالمساجين، ولكن ليس كأي درس ديني، بل كانت خطبةً أعادت الحياة إلى تسعين نفساً: «الهروبُ سيكون في الليل، ولن يهرب أي سجين من مدينة الباب إلا مع سجين من خارج المدينة، فكل بابيٍ سيرافقه سجين غير بابي، سنخرج في الليل لأنه يوجد منع تجول، ونحن بمظهرنا هذا نشبه الدواعش، بل أكثر من الدواعش أنفسهم. لا ركض، أمشوا بدون خوف، وفي أمان الله». أنهى أبو رسول خطبته ثم ودّعنا بعضنا، وسلّم كل واحد مِنّا وصيته لغيره تحسباً. رفعنا آذان العشاء وصلّينا صلاتنا الأخيرة بعد سنة ونصف من الموت البطيء الذي عشناه، ثم طلبَ أبو رسول من أحد السجناء أن يفحص الطريق، ويتأكد من عدم وجود أي عنصر على سطح المبنى. استطاعَ أبو رسول أن يجتاز النافذة، أما نحن فقمنا برمي قطعة من السجاد الذي كنا ننام عليه في المهجع على الأرض خارج السجن، خوفاً من سماع صوت خبطة أقدمنا، إذ كان لصوت أقدام أبي رسول والمجموعة التي كانت معه في آذاننا وقعٌ كصوت المدفع. رميتُ السجادة، وتدليتُ مسبّحاً بمجاميع الآيات التي حفظتها طيلة فترة اعتقالي: «وجعلنا من بين أيديهم سداً ومن خلفهم سداً». لمست قدماي الحافيتن الأرض، وبالرغم من برودتها شعرتُ بسكينةٍ ممتزجةٍ مع خوفٍ وقلق، لا…

أبو رسول النجار 1-1

تم نشر القصة على موقع الجمهورية هنا حشدَ النظام قواته للسيطرة على اللواء 80، ولكن الثوار كانوا له بالمرصاد. تم الإعلان عن نفيرٍ عام، ومن جملة الذين نفروا أنا ومجموعتي المنضوية تحت راية لواء التوحيد. الطريق طويل باتجاه حلب من مدينة الباب، بعد أن قطع النظام طريق النقارين. ذهبنا من طريق المدينة الصناعية واستلمتُ نقطة رباط في محيط اللواء، وبدأنا بصد هجوم النظام نحن «لواء التوحيد»، مع أحرار الشام وتنظيم الدولة الإسلامية. بعد شهرٍ من الرباط ضد النظام وتمركزه في نقاط جديدة، وبعد أن أوقف تقدمه، كان لا بد من استراحة للمقاتلين، فالاستراحة كيفية! من شروط الانضمام إلى كتيبتي شرطٌ رئيسي هو أن يكون المقاتل «عزابي» غير متزوج، أحياناً ننسى أنفسنا  في النقاط على جبهات الرباط. ركبتُ «بيكام النيسان» الأزرق مع مجموعتي، ووجهتُنا مدينة الباب حيث مقرّنا، أوقَفَنَا حاجز الإنذارات بإطلاق رصاصتين في الهواء. لم أقف في بداية الأمر، ولكن وقعَ صوت الرصاصتين كان كما لو كأنني أسمعُ صوت رصاص لأول مرة في حياتي، لا أعلمُ لماذا شعرتُ بالخوف، بدون تردد اخذت الطرف اليمين من الطريق، وعبر مرآة السيارة رأيت عنصراً ملثماً ولثامه أكبر من رأسه يتجهُ نحونا، ويصوب بندقيته باتجاه العناصر في صندوق «البيك آب»،  ويأمرنا بصوته المرتجف عن بعد عدة أمتار أن ننزل: «الأمير يريد رؤيتنا».  قبل نزولي من السيارة لمعرفة السبب، طلبتُ من العناصر الالتزام بالهدوء ووضع البنادق في وضع الرمي رشاً استعداداً لأي طارئ. اتجه نحونا عنصرٌ آخر أمسكَ فوهة بارودة الشاب صاحب اللثام الكبير، وطلبَ منه التأكد من «هوايا» سيارة أخرى. بلهجته التونسية طلبَ منا…

عن مفيدة التي انتقمت من زوجها بأن حشت فرج جارتها بالفلفل الحار!

تم نشر القصة على موقع درج هنا مفيدة جارتنا لها من البنات سبعة. كان صوت ضرب زوجها لها يقطع صمت الحارة ولا أحد يهرع لمساعدتها. كان يسمع الجيران صوت صراخها كسماعهم صوت تلفاز عال وليس صوتاً يستجدي. كانت مفيدة تسرّ للخالة أمينة حكايتها حول ضرب زوجها لها، لأنه يريد طفلاً ذكراً. لا يوجد حدث طارىء لنروي قصة مفيدة من خلاله. هي امرأة سورية تعيش في الظل ولها قصتها الخاصة. هي ككثيرات غيرها تجاهد من أجل البقاء.  نساء كثيرات تأثرن بالحدث السوري بشكل مباشر في حين نال من أخريات بشكل مختلف. مفيدة جارتنا في حي الجزماتي في حلب تقطن حاليا أحد مخيمات اعزاز. مفيدة طلبت مني نشر سيرتها وكيف أفضت بها واقعة عدم انجابها لصبي إلى تعرضها لتعنيف وازدراء مستمرين ما دفعها إلى الانتقام من جارتها، التي حبلت بصبي، بحشو فرجها بالفلفل الحار لينتهي بها المطاف الى السجن! حين كنا صغارا نلتفّ _ نحن صغار الحارة _ حول الخالة أمينة التي تمتلك دكان سمانة في الحارة، لا هي خالتنا ولا نحن أولاد أختها وليس لديها أي طفل، لم تنجب بعد، لذلك كنا كلنا أولاد أختها. تروي لنا قصصاً عن الشيخ خلف الحمود الذي وضع عباءته على مياه الفرات وصلّى دونما أن يغرق، ما دفع أحد معتنقي الديانة المسيحية إلى إعلان إسلامه. كما تروي لنا عن الشيخ عيسى الذي حول قنبلة رماها العدو الصهيوني عليه في حرب تشرين إلى ملح بعد أن احتمى بعباءته من القنبلة، أثناء حديث الخالة أمينة لنا عن الأولياء، تدخل جارتنا مفيدة لتقطع سلسلة الحكايات التي تحكيها الخالة…

عن ابني الذي سلّمني إلى “داعش” لإعدامي

القصة من كتاب صندوق خلفي. تم نشر القصة على موقع درج هنا حاولتُ تجنب كتابة قصتها لوجود تفاصيل غير مكتملة، إلا أن طيفها كان يطاردني فيما أجمع قصص النساء والناجيات، حتى قررت الكتابة بعد جمع بقية التفاصيل من أخيها وجيرانها.  في ما يلي قصة امراة علوية من جبلة ومن سكان مدينة الطبقة، أعدمها في أيلول/ سبتمبر 2014 تنظيم الدولة الإسلامية، وكان ابنها الذي بايع التنظيم سبب مقتلها.  سألت نفسي، هل أستطيع أن أتقمص شخصية امرأة تم إعدامها؟  حاولت تجاوز قصتها، لكنها كانت تخاطبني بأحلام اليقظة وتخطر على بالي بين قصص أخرى أوثقها، لذلك عزمت على كتابة قصتها وعدت إلى من حدثني عنها وتواصلتُ مع عدد من جيرانها في المدينة التي كانت تقطنها وحيث تم إعدامها، حتى أصل لصياغة قصتها من كلام الناس وشهادات لنساء أخريات من المنطقة عايشنها وكن معها في السجن.  ما يلي قصة حقيقية حدثت في مدينة الطبقة جنوب محافظة الرقة في صيف عام 2014 لكن تم تغيير الأسماء وبعض التفاصيل وهي بصيغة الراوية أي بلسان المرأة التي أعدمها “داعش” لأنها علوية.  مدينة الثورة 1974  تم تعيين والدي موظفاً في مؤسسة سدّ الفرات، رحلنا من قريتنا في ريف محافظة طرطوس إلى منزلنا الجديد الضيق في محافظة بعيدة جداً. ظننتُ أن والدي سافر بنا إلى بلد آخر، التراب ليس كتراب قريتنا والأرض منبسطة، وليست كقريتنا الجبلية، التي يتبدل لونها من أخضر إلى أصفر، ثم إلى أصفر فاتح بحسب درجة حرارة أشعة الشمس فوق رؤوسنا، سنة دراسية واحدة كانت كفيلة بأن تتلاشى المقارنة بين منزلنا الجديد في الحي الثاني في…

شاي أبي خالد

تم نشر القصة على موقع الجمهورية هنا الصورة لابي خالد والكاتب في حي الجزماتي في حلب عام ٢٠١٥ «تُدخِلُ أسماء الأسد صينية الأكل من نوعية معدن «البافون» فضيّة اللون، عليها صحن بيض مقلي مع لحمة، صحن بندورة حمراء «دم» مفرومة ومرشوش عليها الملح، مع رغيف خبز مطوي وكوب شاي. تقولُ لي: تفضل يا أبو خالد. تبتعدُ عني وتنظرُ إليَّ من بعيد، حاملةً بيدها ابنتها شام تريدُ إسكاتها من البكاء ولا تستطيع، تغلقُ فمَ شام بقبضة يدها، تقول لها: «اسكتي… ألحز يجي أبوچ». أنفضُ الغبار عن ملابس العمل، أحملُ شام، أُسمّي وأكبّرُ عليها، تغفو في حضني، أعيدُها لأمها وأعود لإكمال عملية تبليط أرضية المطبخ في بيت بشار الأسد». يقصُّ أبو خالد قصص مغامراته الكونيّة، فيما يلتفُّ حوله كثيرٌ من أهالي الحي، يصدّقونه للاستزادة من قصصه، لا لشيءٍ آخر. كان معظم سكّان الحي الشعبي الحلبي قد نزحوا أول مرة أثناء معارك التحرير عام 2012، لكنهم عادوا إليه ليواصلوا حياتهم. ثم كان النزوح الثاني إثرَ تقدم قوات النظام مصحوبة بالميليشيات الشيعية باتجاه اللواء 80 شرقي حلب مطلع عام 2014، عندما كثّفَ النظام استخدام البراميل المتفجرة بشكلٍ رهيب، ما جعل معظم الأهالي يغادرونه بعد نحو عامٍ من الحرية وحسن حال المعيشة. بعد موجة النزوح باتجاه الأرياف وتركيا، لم يبقَ في الحي إلا القطط الصامدة وحواجز الجيش الحر ومن لا يملك المال للسفر، وأيضاً من جرّب النزوح أول مرةٍ وعاش الذل في مخيمات اللجوء، فأقسم أن يموت جائعاً تحت سقف منزله على ألا يتم تصويره أثناء عملية توزيع الطعام. «ملأنا أكياس النايلون ماءً، وعلقناها في…

قصة ثامر، التواترات العسكرية بعيون طفل سوري

القصة من كتاب ليتنا كالنمل – تم النشر على موقع الجمهورية هنا في شهر آب من العام 2016، دخلتُ كمصور حربي مع فصائل الجيش الحر التي سيطرت على قرية العمارنة بريف حلب الشمالي الشرقي، بعد معارك مع قوات سورية الديموقراطية. عند مفرق القرية على العام الواصل بين مدينتي جرابلس ومنبج، وقَعَت عيني على طفل أسمر الوجه أجعد الشعر. نظرَ إليَّ، وكنتُ جالساً على كرسي السيارة الأمامي، ورفعَ يده إلى الأعلى، فرفعتُ يدي كي أردَّ السلام عليه. جفلَ الطفل ولم يعرف أيَّ الإشارات عليه أن يقوم بها بيده كي أفهمه، لأن لكل جهة عسكرية مسيطرة على بقعة جغرافيّة من سوريا إشارتها الخاصة، التي يتواصل أفرادها فيما بينهم من خلالها دون كلام. جفلَ الطفل وبدا عليه الارتباك، وأعتقدُ أنه خاف أن يحرّك يده بإشارة غير مناسبة، فالسيارة التي كنتُ أركبُها لا تحمل أي راية أو شعار يدل على الجهة التي تتبعُ لها. قطعتُ شروده وارتباكه عندما لوَّحَتُ بيدي إشارةَ السلام، ليلوِّحَ هو بمثلها، ونبتسمَ سوياً. الموقف مع ذاك الطفل الأسمر، دفعني للتفكير في كيفية رؤية أطفال سوريا للجهات العسكرية المسيطرة والمتصارعة على أرض البلاد. أردتُ أن أعرف كيف تبدو هذه الجهات في عيون الأطفال، وطيلة ثلاثة أشهر عملتُ على توجيه أسئلة للأطفال الذين ألتقي بهم، عن داعش وبشار الأسد والجيش الحر وقوات سوريا الديموقراطية. قد لا تعبّر الرؤية التي يشملها النص عن رؤية أطفال سوريا عموماً، لكنها تشمل على الأقل رؤية وتجربة شريحة واسعة من الأطفال في ريف حلب الشمالي الشرقي، حيث تسيطر فصائل من الجيش الحر مدعومةً بالجيش التركي. أحداثُ هذه القصة…